https://newsjum.blogspot.com/2025/06/blog-post_80.html
تم النسخ!
رحيل "أشهر أشرار السينما".. الموت يغيب الفنان عماد محرم
غيب الموت، فجر الأربعاء، الفنان المصري القدير عماد محرم، أحد أبرز النجوم الذين جسدوا أدوار الشر في تاريخ السينما المصرية، عن عمر ناهز 73 عاماً. وقد أعلن نجله إياد محرم عن خبر الوفاة عبر حسابه على فيسبوك، في منشور مؤثر نعى فيه والده، مؤكداً أن الوفاة جاءت بالتزامن مع يوم عيد ميلاده، في مفارقة قدرية أضافت المزيد من الحزن على قلوب محبيه. برحيل عماد محرم، تفقد الشاشة المصرية واحداً من أيقوناتها، فناناً استطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في ذاكرة الجماهير، ليس فقط بملامحه الحادة ونبرة صوته المميزة، بل بقدرته الفائقة على إقناع المشاهد بأدواره، حتى بات اسمه مرتبطاً في أذهان الكثيرين بشخصية "الشرير الأنيق" أو "الرجل القوي" الذي لا يرحم. لقد بنى محرم مسيرة فنية طويلة وممتدة، قدم خلالها عشرات الأعمال التي تنوعت بين السينما والتلفزيون، لكن تبقى بصمته الأبرز في عالم الفن السابع، حيث استطاع أن يخلق لنفسه مكانة خاصة بين عمالقة جيله، وأن يقف نداً لنجوم كبار في أعمال خالدة. إن رحيله لا يمثل نهاية لمسيرة فنان فحسب، بل هو طي لصفحة من صفحات زمن الفن الجميل، الذي قدم لنا شخصيات لا تزال حية في وجداننا، ومن بينها تلك الشخصيات الشريرة التي أبدع في تجسيدها عماد محرم ببراعة منقطعة النظير، تاركاً خلفه إرثاً فنياً ثرياً سيظل شاهداً على موهبته الاستثنائية.
![]() |
وفاة الفنان المصري عماد محرم |
في هذا التقرير المفصل، نستعرض المسيرة الفنية الحافلة للفنان الراحل عماد محرم، ونسلط الضوء على أبرز محطاته الفنية، وأهم أدواره التي خلدت اسمه في تاريخ الفن المصري، ونستكشف كيف تمكن من أن يصبح "أشهر شرير" في قلوب الجماهير.
مسيرة حافلة.. من البدايات إلى النجومية
ولد عماد محرم في 25 يونيو 1951، وبدأ مسيرته الفنية في فترة السبعينيات، وهي فترة كانت تموج بالتحولات في السينما المصرية. لم تكن بداياته سهلة، فقد بدأ بأدوار صغيرة وثانوية، لكن موهبته اللافتة وحضوره الطاغي على الشاشة سرعان ما لفتا أنظار المخرجين والمنتجين. كانت بنيته الجسدية القوية وملامح وجهه الصارمة جواز مروره إلى عالم أدوار الحركة والشر، وهو العالم الذي سيتربع على عرشه لسنوات طويلة. كان يمتلك كاريزما خاصة مكنته من أداء شخصيات معقدة، فهو لم يكن مجرد شرير نمطي، بل كان يضفي على أدواره عمقاً نفسياً ودوافع تجعل المشاهد يتفاعل مع الشخصية، حتى لو كان يكره أفعالها.
شارك في العديد من الأعمال الهامة في تلك الفترة، منها فيلم "وراء الشمس" و"العسكري شبراوي"، لكن الانطلاقة الحقيقية التي وضعته في مصاف النجوم كانت من خلال فيلم "الباطنية" عام 1980. هذا الفيلم لم يكن مجرد عمل سينمائي ناجح، بل كان ظاهرة اجتماعية وفنية، وقد كان دور "عبده الكرف" الذي جسده عماد محرم من أبرز علامات الفيلم. لقد قدم شخصية تاجر المخدرات القاسي الذي لا يعرف الرحمة ببراعة شديدة، وأصبح هذا الدور أيقونياً، ولا يزال الكثيرون يرددون بعض جمله الحوارية حتى اليوم. من هنا، انطلق قطار نجوميته بسرعة الصاروخ، وأصبح عنصراً أساسياً في أفلام الحركة والجريمة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، مقدماً سلسلة طويلة من الأدوار التي رسخت صورته كأحد أهم "أشرار" السينما.
"الباطنية" وعصر أفلام الحركة
لا يمكن الحديث عن عماد محرم دون التوقف طويلاً عند فيلم "الباطنية". هذا العمل الذي أخرجه حسام الدين مصطفى، وشارك في بطولته عمالقة مثل نادية الجندي، فريد شوقي، محمود ياسين، وفاروق الفيشاوي، كان نقطة تحول ليس فقط في مسيرة محرم، بل في نوعية أفلام تلك الفترة. لقد نجح الفيلم في تقديم عالم الجريمة والمخدرات بشكل واقعي وصادم، وكان دور عماد محرم محورياً في هذه الدراما. لقد استطاع أن يقدم الشر في صورته الأكثر قسوة، وأن يخلق مواجهات لا تنسى مع أبطال الفيلم، خاصة مع "برعي" الذي جسده فريد شوقي.
بعد "الباطنية"، أصبح عماد محرم متخصصاً في هذه النوعية من الأدوار، وقدم أفلاماً مثل "وكالة البلح"، "خمسة باب"، "المدبح"، "شادر السمك"، وغيرها من الأعمال التي شكلت جزءاً مهماً من تاريخ سينما المقاولات وأفلام الحركة في الثمانينيات. ورغم أن بعض النقاد قد ينتقدون المستوى الفني لبعض هذه الأفلام، إلا أنها حققت نجاحاً جماهيرياً كاسحاً، وكان عماد محرم دائماً الحصان الرابح في هذه الأعمال، فهو يضمن للمشاهد جرعة من الإثارة والتشويق من خلال أدواره الشريرة المتقنة.
أدوار متنوعة وإرث لا ينسى
على الرغم من أن شهرته الكبرى جاءت من أدوار الشر، إلا أن مسيرة عماد محرم لم تقتصر على ذلك. فقد حاول في بعض الأحيان التمرد على هذه الصورة النمطية وقدم أدواراً مختلفة. على سبيل المثال، شارك في فيلم "أفواه وأرانب" مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ومحمود ياسين، وقدم دوراً بعيداً عن الشر، مما أظهر جانباً آخر من موهبته. كما كانت له مشاركات مميزة في الدراما التلفزيونية، من أبرزها مسلسل "العطار والسبع بنات" مع الفنان الراحل نور الشريف، حيث قدم دوراً كوميدياً خفيفاً نال استحسان الجمهور.
في سنواته الأخيرة، قل ظهوره الفني، لكنه لم يغب تماماً عن الأضواء، حيث كان يظهر بين الحين والآخر في لقاءات تلفزيونية يتحدث فيها عن ذكرياته ومسيرته الفنية الطويلة. ترك عماد محرم إرثاً كبيراً يضم أكثر من 150 عملاً فنياً. لقد كان فناناً حقيقياً، أحب مهنته وأخلص لها، ونجح في أن يترك بصمة لا تمحى في قلوب وعقول الملايين من عشاق السينما المصرية. سيظل اسمه محفوراً كأحد أبرز من جسدوا الشر على الشاشة، وهو دور صعب ومعقد لا يتقنه إلا الموهوبون الحقيقيون.
وداع في يوم الميلاد
كانت مفارقة رحيل عماد محرم في نفس يوم عيد ميلاده لافتة ومحزنة. كتب نجله إياد: "توفي إلى رحمة الله والدي الفنان عماد محرم.. برجاء الدعاء له بالرحمة والمغفرة". وأضاف في منشور لاحق: "الليلة عيد ميلاد أبويا، وبرضه يوم وفاته.. سبحان الله". هذه الكلمات لخصت مشاعر الحزن والصدمة التي انتابت أسرته ومحبيه.
إن رحيل فنان بحجم وقيمة عماد محرم يمثل خسارة كبيرة للفن المصري والعربي. سيبقى حياً بأعماله الخالدة، وبشخصياته التي أمتعتنا وأثارت فينا مشاعر متباينة. وداعاً "شرير السينما" المحبوب، وداعاً يا من أتقنت فنك فأبدعت، وتركت خلفك سيرة عطرة وإرثاً فنياً عظيماً.
في الختام، يرحل الجسد وتبقى السيرة والأثر. لقد ترك لنا عماد محرم كنزاً من الأعمال الفنية التي ستظل تذكرنا بموهبته الفذة وحضوره القوي. لقد كان جزءاً لا يتجزأ من عصر ذهبي في السينما المصرية، وسيظل اسمه مرتبطاً بأدوار ستبقى خالدة في الذاكرة الجماعية للجمهور العربي.
أسئلة متعلقة بالموضوع